وفاء ورثاء لزوجة..

الحرير/

بقلم/د. محمد العبادي
زرت أحد الفضلاء لوفاة زوجته، وشاهدت فيه الوفاء لها عندما أتى على الخوض في نتف من حياتهما، وتشير كلماته واستحضاره لذكرياته معها إلى أن طيفها لايفارق خياله .
إنّها جزئية ومفردة من مفردات الحياة قد عاشها هذا الصديق وشعر بالغصة والمرارة لرحيل زوجته، ولا أدري ماهي الآلام الكبيرة التي عاشتها بعض العوائل في فلسطين وغيرها.
أحاول بريشة كلمات صديقي رسم صورة عن ذلك الوفاء والذي يحتاجه أغلب الناس .
يقول ذلك الصديق : بلا مقدمات، وبلا علامات أصيبت زوجتي بمرض عضال، ونهضت أنازل مرضها بمراجعة الأطباء والمستشفيات، لكن سعيي قصر عن نيل سلامتها، وشاهدتها وهي تذبل، وتألمت حتى كأنّ ما أصابها قد أصابني .
لقد كان يتسابق مع الأجل المحتوم يطرق أبواب الأطباء ويتردد عليهم .
يالها من كلمات اندلق بها لسان زوجته المؤمنة وهي تودعه بعد أن تيقنت الرحيل إذ تقول له : لاتحزن..لم يبق إلا وجه الله ..أولادنا وبناتنا لا يشعرون بغيابي ..
وكان زوجها يبعث فيها الأمل والحياة ويقول: …..إن شاء الله عمركم طويل و…
كان زوجها بتلك الكلمات يواسيها ويخالف ما يشاهده عليها ، وربما كان اعتقاده وأمله بإرادة الله أن يدفع عنها بدفعه، وأن يجعلها في درعه الحصينة.
أخيراً اخترم عمرها وسكنت، وتوقفت عن إدامة الحياة، وماتت ومات معها كل شيء رأيته . نعم لقد سكن ألمها وهدأت روحها، أما ذلك الزوج الوفي؛ فقد نهضت كل مصائبه، وكل أحزانه، وكل أوجاعه، وكل ذكرياته ، وكل عاطفته، وكل حنينه وأنينه.
يقول : لقد كانوا يرفعون نعشها، لكنه نعشي الحقيقي، وعندما حثو التراب على قبرها كانوا يهيلون عليَّ التراب.
يقول : لقد شعرت بالوحشة، وشعرت بالغربة، وشعرت بالوحدة، وكنت معها زوجاً أسكن إليها، ثم أصبحت فرداً بلا أنيس .
لقد كانت بالنسبة له تجسيداً حقيقياً للإستقرار النفسي( لتسكنوا إليها).
وعندما فارقها عرف معنى كلمات الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام عندما فارق فاطمة عليها السلام: ( أما حزني فسرمد وأما ليلي فمُسهّد). نعم لقد كانت تؤنسه عند وحدته، وتسره عند وجده.
يقول هذا الصديق : إنّها كل شيء بالنسبة لي، فرحنا معاً، وتألمنا وحزنا معاً، وتحدثنا معاً، وسافرنا معاً، وشاهدنا تقلّب الحياة معاً، لكنها سبقتني بالرحيل، ربما لأنها أدت ما عليها من أمانة، واكتفى منها ربها بعملها، وحسن تبعلها.
لقد حافظت على فطرتها نقية، ولم أنس لها إشراقتها التي تشع منها كالألق، ولم أنس لها ابتسامتها وضحكتها التي تملأ أركان البيت، ولم أنس لها سهرها على وتربيتها لأطفالنا عند رضاعهم وفصالهم وفطامهم، وعندما حَبو، وحين درجو إلى حين شبوا واستوت بنيتهم .
نعم كان يرى فيها أماً وزوجة وصديقة، وقد شهد لها بالوفاء العميق له في غَيبته وحضوره، وفي أُمومتها ومودتها ومحبتها، ولعلّ أقدامها قد وطئت الجنة: ( الجنة تحت اقدام الأمهات)، وقد شهد لها زوجها بذلك الحب الصادق والتدين الصافي في حسن أخلاقها وتحملها لأعباء الحياة وأتعابها وحسن صنيعها في يسرها ومسراتها.
هذا الفاضل يقول عن فقيدته : إنّها المصداق الأصدق الذي شاهدته لكل مودة ورحمة ومحبة وصبر وصدق .

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

مزنة من سراب …

الحرير/ بقلم/فؤاد سالم النافعيلا أستطيعُ الذهابَ إليكِ، …ولا أستطيعُ الرجوع إلي..تمرَدَ قلبي عليّ !!سيبقي ما …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *