اعلان بوتين عن اكتمال الاختبارات الحاسمة لصاروخ “بوريفيستنيك”(9M730): بين استعراض القوة والردع الاستراتيجي

الحرير/

كتب العميد منير شحادة منسق الحكومة اللبنانية لدى اليونيفل

مقدّمة .. في خطوة لافتة ضمن تصاعد التوتر بين موسكو والغرب، أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أكتوبر 2025 أن روسيا أكملت الاختبارات الحاسمة لصاروخ “بوريفيستنيك” (Burevestnik) العامل بالطاقة النووية، مؤكداً أنه لا مثيل له في العالم . جاء هذا الإعلان بعد مناورات نووية استراتيجية أشرف عليها بوتين شخصياً، وشملت اختبارات لأنظمة صاروخية جديدة.

هذا التصريح لم يكن مجرد خبر عسكري، بل رسالة استراتيجية متعددة الأبعاد إلى الولايات المتحدة وحلف الناتو والعالم بأسره.

ما هو صاروخ “بوريفيستنيك” (9M730)؟

يُعرف الصاروخ في تصنيف الناتو باسم SSC-X-9 Skyfall ، وهو مشروع روسي بدأ منذ أكثر من عقد لتطوير صاروخ كروز يعمل بمحرك نووي يمنحه مدى شبه غير محدود .

الخصائص التقنية المُعلنة:

نوع الصاروخ: صاروخ كروز استراتيجي طويل المدى.

نظام الدفع: محرك نووي صغير يسمح بالتحليق لساعات طويلة دون الحاجة للتزود بالوقود .

المدى المعلن: أكثر من 14,000 كيلومتر (حوالي 15 ساعة طيران في أحدث اختبار).

القدرات: قادر على الطيران على ارتفاعات منخفضة لتفادي أنظمة الرادار ، ويمكنه تغيير المسار في الجو ، ما يصعِّب اعتراضه.

الحمولة: رأس نووي تكتيكي أو استراتيجي.

وبذلك، فإن (بوريفيستنيك) يُعدّ مزيجاً بين صاروخ كروز تقليدي وبين تكنولوجيا الدفع النووي، ما يجعله رمزاً لطموح روسيا في تجاوز قدرات الردع الأمريكية التقليدية.

دوافع إعلان بوتين

لم يأتِ الإعلان صدفة، بل في توقيت مدروس سياسياً وعسكرياً:

١- رسالة ردع إلى الغرب

يأتي الإعلان في خضمّ توتر غير مسبوق بين روسيا والناتو على خلفية الحرب في أوكرانيا وتوسّع دعم الغرب لكييف و المناورات التي قامت بها و بلا روسيا و أسمتها zapad و المناورة النقابلة التي أجراها الناتو رداً عليها .

بتأكيد اكتمال الاختبارات، أراد بوتين أن يقول إن روسيا تمتلك جيلاً جديداً من الأسلحة القادرة على تجاوز أي درع صاروخي غربي.

٢- ردّ على العقوبات والعزلة

الإعلان يعيد تأكيد صورة روسيا كقوة عظمى قادرة على التطوير الذاتي رغم العقوبات والقيود التكنولوجية الغربية.

هو أيضاً محاولة لرفع المعنويات الداخلية في ظلّ ضغوط اقتصادية وعسكرية مستمرة خاصة أن دول الناتو تتحدث بإستمرار عن ضعف روسيا إقتصادياً و عسكرياً .

٣- إشارة إلى عودة سباق التسلّح

توقيت التصريح يتزامن مع انهيار شبه تام لاتفاقيات الحد من التسلّح مثل (نيو ستارت)، ما يفتح الباب أمام سباق تسلّح نووي جديد.

بوتين يرسل إشارة إلى واشنطن بأن روسيا لن تُقيّد نفسها في سباق التكنولوجيا العسكرية.

٤- استخدام الإعلان كورقة تفاوضية

موسكو قد تستخدم نجاح “بوريفيستنيك” لاحقاً كورقة ضغط في أي مفاوضات مستقبلية حول الأمن الأوروبي أو الحد من الأسلحة النووية.

الرسائل الخفية من الإعلان

١- رسالة إلى واشنطن:
مفادها أن أي محاولة لنشر دروع مضادة للصواريخ في أوروبا أو آسيا لن تجدي نفعاً.
فصاروخ يمكنه التحليق آلاف الكيلومترات عبر مسارات غير متوقعة يُفقد فعالية الدفاعات الصاروخية الأمريكية.

٢- رسالة إلى أوروبا:
بوتين يريد أن يُشعر العواصم الأوروبية بأن التصعيد المستمر ضد روسيا قد يجعلها ضمن مدى الردع النووي الروسي.

٣- رسالة إلى الداخل الروسي:
إعلان القوة التكنولوجية والعسكرية يعزز صورة بوتين كـقائد قوي قادر على مواجهة الغرب وإعادة مكانة روسيا العظمى.

٤- رسالة إلى الصين والعالم غير الغربي:
روسيا تُظهر نفسها كشريك قادر على موازنة الهيمنة الأمريكية عسكرياً، ما يعزز مكانتها في المحاور المناوئة للغرب.
الجدير ذكره أن القيصر بوتين ومنذ بدايات الحرب الأوكرانية أرسل عدة رسائل إلى اوكرانيا و إلى كل من يدعمها في العالم ، و ذلك عندما إستقل القاذفة الإستراتيجية Tu‑160Mالتي يمكنها ان تحمل رؤوساً نووية ، و عندما نفذت روسيا منذ أكثر من شهر مناورة بالإشتراك مع بلا روسيا خُصِّصت للتدريب على إستعمال القدرة النووية ، ثم الإعلان عن هذا الصاروخ النووي الرأس و النووي الدفع ، كل هذا كان رسالة واضحة من بوتين إلى العالم أنه لن يتردد في إستعمال السلاح النووي عندما يرى ان ذلك لازماً .

تشكيك غربي وتحفّظات تقنية

رغم إعلان موسكو نجاح الاختبارات، فإن العديد من الخبراء الغربيين أبدوا شكوكاً في جدوى أو أمان تشغيل صاروخ بمحرك نووي:

خطر التلوث الإشعاعي: احتمال تسرب مواد مشعة في حال فشل الإطلاق أو سقوط الصاروخ.

صعوبة التصنيع والتشغيل: تطوير محرك نووي صغير وآمن تقنياً يُعد تحدياً هائلاً.

غياب أدلة مستقلة: لم تُقدَّم صور أو بيانات مفتوحة تثبت اكتمال النشر العملي.

وبذلك، يرى محللون أن الإعلان يحمل بعداً دعائياً وردعياً أكثر من كونه إعلان دخولٍ فعليٍّ للخدمة.

الهدف الإستراتيجي النهائي

يُراد من إعلان بوتين أن يُظهر أن روسيا:

استعادت زمام المبادرة النووية في مواجهة الغرب.

تملك أدوات ردع جديدة وغير قابلة للاعتراض.

ترسل رسالة سياسية: أن أي ضغط عسكري أو عقوبات لن تغيّر ميزان الردع العالمي القائم على التوازن النووي.

وبهذا، يصبح (بوريفيستنيك) ليس مجرد سلاح، بل رمزاً للسيادة الروسية ولإرادة المواجهة في حقبة دولية تشهد سباق تسلّح جديداً.

خاتمة

سواء أثبتت موسكو فعلاً نجاح الصاروخ النووي الجديد أو لا، فإن الإعلان في حدّ ذاته سلاح سياسي.
إنه محاولة ذكية لتذكير الغرب بأن روسيا و رغم أزماتها ، لا تزال تملك القدرة على قلب موازين القوة والتأثير في النظام الدولي.

وربما كان (بوريفيستنيك) ، كما اسمه الذي يعني بالروسية “طائر العاصفة” أو “نذير العاصفة”،
إشارة رمزية إلى عاصفةٍ جديدة في سباق التسلّح النووي العالمي بدأت فعلاً تهب من الشرق.

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

حكاية الشايچي والتكايچي

الحرير/ بقلم/كمال فتاح حيدر فازت زعيمة الحزب الديمقراطي الياباني الحر سناي تكايچي (64 عاما) بتصويت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *