ذاكرة شهوانية !

الحرير/

بقلم/حسين الذكر

في الماضي المعتق حد الرسخ جراء ما كنا نتحمله من احداث ويوميات تطبع صور مع مرارتها لكنها تحمل شيء من الحنين للماضي .. ذلك المقطع الوجداني غير القابل للتفسير والربط بين المعاناة واثرها المطبوع في الذات وبين ارشفة مرحلة عمرية ستبقى ظاهرة حاضرة في التقييم برغم ما يختلجنا من نسائم ذلك العطر الدمعي والنشيج غير المسموع الذي تشهقه انفاس الانسان بطريقة ما لا يمكن من خلالها شطب ذلك المشهد الحياتي الذي تحملنا من وقعه فواصل عديدة غير قابلة لطي النسيان .
مع ان ابي كان صديق ابيه وبرغم الطفولة التي برأت حد الضحك وتألمت بطعم البكاء الا ان شيء ما لا يحركني اتجاهه .. قد تجاهلني بمرحلة زمنية ما وكأني لم اكن صديقه .. وها هو يحاول من جديد ان يكون من اولويات اهتمامتي التي فقدت الاهتمام بالكثير من صفحات الماضي بسوادها المعتم وبياضها المشرق ..
قال لي مرة بما يستبطن العتب المعجون بالالم .. يا ترى هل تتذكر حينما كنا نلعب في الاسواق ونقتات ضحكاتنا من بين عشرات المشاهد الصاخبة .. اتتذكر والدينا رحمهما الله قبل الذهاب الى الصلاة كانا يصرا على اصطحابنا معهما ونحن نختلق ونتفنن صناعة الاعذار لغرض التهرب من مشوار وروتين المسجد الذي يتعارض مع مشاوير لعبنا وشطحات صبانا التي هي اجمل ما في ذكريات العمر ؟.
تلك المسرودات الاستذكارية .. لم تاخذ حيزا من حاضري ولم تحرك من سواكني برغم انه شهقها شهقا واستمرأها حد التصنع ليستثيرني او يؤجج عواطف ما زال يراهن على استنهاضها لاغراض مصلحية لا وجدانية .. جعلتني اتوقف عن ممارسة عصر الذاكرة او بالاحرى تجديدها لغرض الحصول على مواد اولية قد ماتت منذ زمن طويل ليختلق منها ما ينفع حاضره .. هكذا كنت افكر في استقراء صفحات التاريخ التي لا ابحث فيها عن حقيقة ولا اتلمس حق لا يمكن ان اجده بين سطور ميتة ومخلفات بالية وان تقدست بعنوان التاريخ .. فان حاضرنا المصنوع على شكل طوابير نفاقية وزخارف نوعية تخبيء تحت طياتها الكثير من قساوة حاضر مدسوس كراس النعامة وماض سحيق بقدر مساحيق البهائم الناطقة التي لا تضفي جمالا على تشوهات خلقية واخلاقية تقف عاجزة عن التاثير في المتلقي فضلا عن اخفاقها بتطمين الذات ..
سالته مرة : ( اتذكر يا هذا حينما كنا نلعب لاهين حد الركض والضحك المستمر في الشوارع والساحات ) ؟..
قال : ( نعم وتلك مدارس اخرى لم نقدر نسيان دروسها المترسخة في بالي ) ..
فقلت له : ( وبالي ايضا يا صديقي .. الفارق اني ما زلت اتعلم من تلك التجارب غير المسؤولة كي اخلق مشهد مسؤول اتجاهك والاخرين .. اما انت فكنت تدوس على قدمي وكفي حينما اسقط حتى تشوهت مناظر وتحف مدرستنا من كثر ما لحقها من متابعتك غير المنصفة ) .
فقال : ( صحيح جدا . الا انك اوجدت لي العذر فقد اطلقت عليها غير مسؤولة .. وكنت لاهيا حد الضحك مع ما يترتب من الم ودمع على تبعات حركاتي ) .
هدات روعي وتذكرت انه انسان وانا كذلك انسان .. لنا شبهاتنا وتشوهاتنا الذاتية المعلن منها والخفي فلسنا انبياء ولا صالحين مع اننا لم ندرج يوما تحت يافطة الطالحين .. الا ان العصف الانساني نازف بكل وقائعه سوف لن تخدمنا الذاكرة فيه بتحري حق ما .. على ما يبدو ان الذكرى تنفع بما يمكن ان تصححه من مسارات احدث وهو ما يسمى بالتحديث في عصر المصطلحات البراقة التي برغم كل ما اعرفه واحفظه عنها الا انها اخفقت بتخفيف وقع صدى مكنونات ذاكرة لم تسعفني لقبول اعذاري صديقي المتأخرة .
لا ادري تحت اي تصنيف اسمي افعالي مع اني صادق النية كما يبدو من عدم اضماري اي سوء لصديقي سوى اني لم اعد اتحمل موبقاته التي يجيدها ويجود بها بطعم المطامع الشخصية وان كانت تطيح بمصالح آخرين بل من المقرين من صحبه . ما زال على ذات الشاكلة : متمنق انتقائي عجول في تحري الخير الاني فلم يفكر اطلاقا بالخير الآجل الذي لم يلبي طموحاته الخرقاء ابدا .. مما دفعني ان اكون صريح جدا حد الجفاء معه .. بمعزل عن طفح الذكريات التي ما زالت نسائمها تهب بين الحين والحين لتُحي اشجار ميتة او تغرز فساتيل جديدة ..
ما اتذكره ان الخرائط الانسانية مصلحية الاس والجوهر وما نعتقده جميل منها له علاقة وطيدة بذاتنا القاصرة والناقصة والمريضة … التي نعيها تماما باعتبار ان الانسانية تعاني من ذلك التشوه القيمي والشهواني الذي جعلها تهرول على طول خط التاريخ تدوس من تدوس ولا تصحى الا بعثرة خاصة او الم ذاتي عابر يجعلنا نتذكر جزء من انسانيتنا التي نسيناها في رقعة زمكانية بعد ان كتبنا عليها للحفظ والارشيف ولم نستذكرها الا لعلاج ذات العوز والفاقة الانسانية دائمة المرض والتقرح في وقت ينبغي ان تكون الذاكرة متقدة حية بكل ما يستحق احياء الذات الانسانية وتضفي روحا مجتمعية قبل اي انانية ضيقة ومراجيح شهوانية باكرة او شائخة !

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

شهقات مكتومة ..!

الحرير/ بقلم/حسين الذكر اجراس في العتمة تلتهم الخطوات …بوليمة دسمة .. لا دعوة فيها .. …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *