الحرير /
بقلم / عامر جاسم العيداني
في زمن الفوضى الإعلامية أصبح بعض من يُفترض أنهم “صحفيون” يمارسون مهنتهم بلا ميثاق ولا ضمير حتى تحوّلت الصحافة عندهم إلى تجارة رخيصة يُباع فيها شرف الكلمة لمن يدفع أكثر أو لمن يلمّع صورته. هؤلاء ليسوا صحفيين بل سماسرة كلام يختلقون الأخبار كما يشاؤون ويزرعون الإشاعات كما يزرع التاجر الفاسد بضاعته المغشوشة في الأسواق.
لقد انحدرت المهنية عند بعض العاملين في الوسط الصحفي إلى مستوى يثير الاشمئزاز ويستقون أخبارهم من صفحات مجهولة أو من أشخاص لا علاقة لهم بالحدث أو يختلقون القصص لإثارة الجدل وكأن الصحافة أصبحت لعبة نرد تُرمى فيها الحقائق على طاولة المصالح الشخصية والسياسية ، والأسوأ من ذلك أنهم يتفاخرون بما ينشرون وكأنهم كشفوا “سبقاً صحفياً”، بينما في الحقيقة لا يملكون سوى سبق الفضيحة.
هذا النوع من الصحفيين هو سرطان ينهش جسد الإعلام العراقي ويسيء إلى مهنةٍ وُلدت لتكون صوت الناس لا سوطاً عليهم ومن ينشر الأكاذيب أو يلوّح بالإشاعات لابتزاز السياسيين أو لجلب التصريحات لا يمارس الصحافة بل يمارس الدناءة بعينها.
الكلمة أمانة ومن يخون الأمانة لا مكان له بين الشرفاء والصحفي الذي يزوّر الخبر أو يلفّق المعلومة يجب أن يُحاسب مثل أي فاسد يسرق المال العام لأن الضرر الذي يسببه الكذب الإعلامي أشد فتكاً من السرقة نفسها فهو يدمّر الثقة بالمعلومة ويهدم الجسور بين المواطن والإعلام.
على المؤسسات الإعلامية أن تنظّف صفوفها من المرتزقة وأن تُعيد الاعتبار للمهنية وللصحفي النزيه الذي يبحث عن الحقيقة لا عن الشهرة وعن المصداقية لا عن الإعجابات فالإعلام الشريف هو درع المجتمع أما الإعلام الفاسد فهو خنجر في خاصرته.
ويجب على القضاء العراقي أن يتعامل مع الصحفي الذي يختلق الأكاذيب أو يروّج للإشاعات بنفس الحزم الذي يتعامل به مع أصحاب المحتوى الخارج عن الأدب والأخلاق العامة، فالتضليل الإعلامي جريمة تمس وعي الناس وكرامة الأفراد ولا تقل إساءة عن الانحراف الأخلاقي في تأثيرها على المجتمع.
إن من يبيع قلمه اليوم سيُشهر به غداً ومن يزوّر خبراً واحداً سيُطبع اسمه في ذاكرة الناس على أنه صحفي بلا ضمير ومن يختار الكذب طريقاً سيجد نفسه في نهاية المطاف غارقاً في وحل المهانة ولا يصدّقه أحد ولا يحترمه أحد.
فالصحافة ميدان الشجعان لا مرتع الجبناء.