الحرير/
بقلم/هادي جلو مرعي
شكرا لله إنه خلقنا نشبه بقية الحيوانات في الهيئة الظاهرية، وفضلنا بمصيبة العقل التي جعلتنا الأقرب الى الجحيم. فنحن ماهرون في توظيف هذه الآلة الجبارة لتخريب الكوكب، والتفكير بشرور لامثيل له لنغلب الآخرين، ولنجمع الأموال، ونقتل الأبرياء، ونقهر المستضعفين، ونجعلهم عبيدا لنا، ونخدعهم بالكلام المعسول بالأكاذيب والزيف لينقادوا لنا، ولايسمعون لسوانا، ويعطلون آلة العقل، بل ويرموها في حاوية النفايات لأنها لاتعود تشتغل حتى يموت الجاهل، ويوارى الثرى. ولعل الواحد منا لايحالفه الحظ إلا في النادر فيكتشف إنه كان مستعبدا من فرد دنيوي لايقدم ولايؤخر، أو إنه ضحية لزيف فكري تراكم عبر التاريخ الممتد فصار قردا يتنطط في سيرك الحياة ليتلهى به الجبابرة والمضلون من شياطين الإنس..
يقولون: إننا قرود تطورت عبر أجيال متعاقبة، فنحن أبناء القرود، وهذا زيف لأن الله حين غضب على بعض من عباده من البشر قال : كونوا قردة خاسئين. وهذا يعني إن البشر والقرود مختلفون عن بعضهم إنما هم أمم مختلفة كما في القرآن ( أمم أمثالكم). ولست مع فكرة إننا قرود، ولكننا حتما نشبهها فهي الأقرب إلينا بحركاتها وسكناتها وعواطفها وأنوفها وعيونها ورغباتها، ولكننا في النهاية مختلفون، وحين سأل أحد الشياطين من الحكام عبدا صالحا: لماذا خلق الله الذباب؟ وكان هذا الأحمق المغرور بسلطانه الزائل يجهل حكمة الخالق، وإعجاز الخلق والتكوين..رد العبد الصالح بكلمة مدوية: ليذل الجبابرة أمثالك.. وقيل إن النمروذ اللعين حين تجبر وطغى سلط الله عليه كائنا حقيرا دخل في إحدى أذنيه فكان لايرتاح من الألم إلا بضربة من نعال على رأسه.
يطغى الناس، ويتجاهلون حجم النعم التي من الله بها عليهم، فيغادرون السلوك السوى، ويتجاوزون حدودهم، ويعتدون على من سواهم، ويسلبونهم مالهم وكرامتهم وفرص حياتهم، ومن يعارضهم يلقى الويل والثبور وعظائم الأمور، ولعل الله خلقنا نشبه القرود وتشبهنا لنتذكر إن جمال وجوهنا في السلوك، وفي الرحمة والرأفة، وليس في التعالي والتباهي والتفاخر بالمال والمنصب والسلطان فهي زائلة، وإن هناك مخلوقات كالقرود تشاركنا الحياة، وهي تشبهنا ننظر إليها كلما طغينا، وتجاوزنا الحدود، وتمادينا في العصيان والسفالة فكأننا حينها نسمع صوتا من بعيد يخترق أرواحنا وأسماعنا( كونوا قردة خاسئين).