رگي اللحيس وجولات التراخيص وفجل أربيل

الحرير/

بقلم: الكيميائي الاستشاري مرتضى كامل مفتن السكيني
صاحب معمل للصناعات الغذائية ومزارع وبساتين في أبو الخصيب والزبير

لم يكن غريباً على البصرة أن تُعرف بخيراتها الزراعية الممتدة من أبو الخصيب حتى الزبير، أرض ولود، ومياه وافرة، ومنتجات لا تضاهى في طعمها وجودتها. لكن الغريب – والموجع في آن – أن تتحول هذه الأرض الخصبة، مثل منطقة اللحيس، من مصدر رزقٍ لآلاف الفلاحين إلى أراضٍ محجوزة باسم “جولات التراخيص” وشركات النفط الأجنبية، وفي مقدمتها شركة توتال الفرنسية.

اللحيس عُرفت تاريخياً بزراعة الرقي والبطيخ، إضافة إلى محاصيل موسمية يحتاجها العراقيون بشدة، لكننا اليوم نستوردها من دول الجوار، رغم أن الأرض بين أيدينا. والسبب؟ قرارات متهاونة من شركة نفط البصرة، وصمت وزارة الزراعة، بحجة أن هذه الأراضي قد تحتاجها الشركات النفطية مستقبلاً، رغم أن الفلاحين أنفسهم تعهدوا بتركها فور الحاجة الفعلية إليها.

لقد نصّ القانون الذي أقره مجلس النواب على مبدأ التعايش الزراعي النفطي، بحيث لا تتوقف عجلة الزراعة ولا يتعطل الإنتاج الغذائي. لكن على أرض الواقع، يُترك آلاف الفلاحين بلا عمل، وتُسد أمامهم أبواب الاستثمار الزراعي، فيما يتوسع الاستيراد، وتزداد البطالة، ويُدفع الشباب دفعاً نحو الهجرة أو البطالة أو حتى الانزلاق نحو مسارات مظلمة كالمخدرات والجريمة المنظمة.

الأدهى من ذلك أن البصرة، بما تملك من أراضٍ خصبة وموارد طبيعية، باتت تستورد الفجل من أربيل! أليس هذا قمة السخرية؟ محافظة تصدر النفط للعالم، وتملك مزارع كأبو الخصيب والزبير، لا تستطيع أن تنتج أبسط الخضروات التي اعتاد الناس على تذوقها من أرضهم؟

إنني أكتب هذا المقال وأنا أحد المتضررين المباشرين. فقد سعيت منذ خمس سنوات لاستثمار قطعة أرض في منطقة اللحيس (شعيب بطين) بهدف استزراعها بالزراعة الحديثة وتوفير فرص عمل للشباب، مع قبولي باستقطاع نسبة 10% فقط من الأرض لصالح محطات الطاقة الشمسية التي تنوي توتال نصبها. لكن الرفض جاء قاطعاً، والتحايل مستمراً بين نفط البصرة والدائرة القانونية، وكأن الهدف المعلن هو إنهاك الفلاح والمستثمر حتى يترك الأرض نهائياً.

هذه السياسة لا تضر بمزارعي اللحيس وحدهم، بل تهدد مستقبل الزراعة في البصرة كلها. فهي سياسة تدفع الفلاحين إلى الهجرة من الريف إلى المدينة، وتثقل كاهل الحكومة بطلبات التعيين أو المساعدات الشهرية، بينما تُهدر ثروات طبيعية وزراعية لا تُقدّر بثمن.

إن طعم رقي وبطيخ اللحيس، ونقاوة منتجاتها الزراعية، هي قيمة وطنية واقتصادية وصحية، لا يجوز التفريط بها. وعلى الجهات المختصة – من وزارة الزراعة إلى مجلس النواب – أن تتحرك فوراً لتصحيح هذا الخطأ الجسيم، وإعادة التوازن بين الاستثمار النفطي والزراعي، لا أن تُترك الأرض نهباً للروتين والتحايل والقرارات الخاطئة.

إن استمرار هذا الوضع يعني المزيد من البطالة، المزيد من الاستيراد، والمزيد من التراجع في الأمن الغذائي، في وقت نحن فيه أحوج ما نكون إلى زراعة محلية قوية ومستدامة.

نداء

من موقعي كمزارع وصناعي وأحد أبناء البصرة المتضررين، أوجه ندائي إلى:

  1. مجلس النواب العراقي: لممارسة دوره الرقابي ومتابعة تنفيذ قانون التعايش الزراعي النفطي بشكل صارم.
  2. وزارة الزراعة: لدعم الفلاحين في منطقة اللحيس وغيرها، وتقديم التسهيلات للاستثمار الزراعي بدلاً من تركهم ضحية للبطالة.
  3. شركة نفط البصرة: للتوقف عن المماطلة والالتزام بقرارات البرلمان، والسماح باستثمار الأراضي غير المستخدمة فعلياً.
  4. الحكومة المحلية في البصرة: لوضع خطة استراتيجية لرد الاعتبار للقطاع الزراعي، ومنع تهميشه لصالح الاستيراد.

إن مستقبل العراق لا يُبنى بالنفط وحده، بل بالزراعة التي تحفظ أمنه الغذائي، وتبقي أبناءه مرتبطين بأرضهم، وتؤمن لهم عملاً شريفاً كريماً.

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

وزارة النفط وشركة غاز البصرة يبحثان اليات التعاون المشترك مع الشركة العامة لموانئ العراق

الحرير/ برعاية وحضور وكيل وزارة النفط لشؤون الغاز الدكتور عزت صابر وبحضور مدير عام شركة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *