في إحياء طريق الحرير: المشاريع المشتركة الرئيسية في البنية التحتية للنقل

الحرير/

بقلم/شوخجاحون سِخْنَازَرُوف،
المتخصص الرئيسي في مركز دراسة مشكلات النقل

يُعد طريق الحرير واحدة من أكبر التعبيرات الرمزية عن التكامل الاقتصادي والثقافي في تاريخ الحضارة الإنسانية، حيث ضمن الاتصالات بين الشرق والغرب لمدة تقارب ألفي عام. على طول طريق الحرير، لم ينتشر السلع التجارية فقط – مثل الحرير، والخشب، والأحجار الكريمة، والورق، والحرف اليدوية – بل انتشرت أيضًا الأفكار، والتكنولوجيات، والإنجازات العلمية، والتقاليد الثقافية. لذلك، يحمل طريق الحرير أهمية خاصة في تطور البشرية كـ”جسر حضارات”.

في القرن الحادي والعشرين، مع تعميق عمليات التكامل الاقتصادي العالمي، عادت فكرة إحياء طريق الحرير إلى الصدارة كاتجاه استراتيجي في السياسة والاقتصاد الدوليين.

في الاقتصاد العالمي، أصبحت سلاسل التوريد العالمية وكفاءة اللوجستيات أحد العوامل الرئيسية التي تحدد تنافسية الدول. من هذا المنظور، يُعد تطوير البنية التحتية للنقل في قارة أوراسيا أمرًا حاسمًا ليس فقط للتأثير الاقتصادي، بل أيضًا للاستقرار الجيوسياسي والتعاون الإقليمي.

وفقًا لتقارير البنك الدولي، يضمن كل دولار أمريكي يُستثمر في البنية التحتية المستدامة نموًا في الناتج المحلي الإجمالي يبلغ في المتوسط 4 دولارات. وهذا يُظهر بوضوح أهمية مشاريع النقل كمحرك للنمو الاقتصادي.

تُعد جمهورية الصين الشعبية المبادر الرئيسي لفكرة إحياء طريق الحرير في القرن الحادي والعشرين. يمثل مبادرة “الحزام والطريق”، التي أُعلنت في عام 2013، برنامجًا تكامليًا واسع النطاق يشمل ليس فقط البنية التحتية للنقل، بل أيضًا الطاقة، والاقتصاد الرقمي، والتجمعات الصناعية، والتبادل الثقافي.

بناءً على هذا البرنامج، تُخلق فرص كبيرة لدول آسيا الوسطى، بما في ذلك أوزبكستان. حاليًا، في إطار هذه المبادرة، تتخذ أوزبكستان عددًا من الخطوات لتحديث السكك الحديدية والطرق السريعة، وبناء مراكز لوجستية، وزيادة الإمكانيات الترانزيتية.

على وجه الخصوص، في عام 2016، نجحت أوزبكستان في بناء نفق قامشيق البالغ 19.2 كيلومترًا في الجزء الجبلي الشرقي من البلاد. في يونيو من العام نفسه، عقد قادة أوزبكستان والصين حفل افتتاح السكة الحديدية الكهربائية أنغرين-باب والنفق كامشيك.

الرئيس شافكات ميرزيويف، في اجتماع مجلس رؤساء دول المنظمة التعاونية في شنغهاي في أستانا في 4 يوليو 2024، أكد قائلًا: “تعدد ممرات النقل هو الشرط الأهم للتطور المستدام لمنطقتنا بأكملها”.

حاليًا، يُعد أحد المهام الأولوية الرئيسية زيادة حجم النقل الشحن متعدد الوسائط بشكل مستمر على طول مسارات الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان وأوزبكستان – أفغانستان – باكستان.

على وجه الخصوص، تم تقييم مشروع السكة الحديدية الاستراتيجي “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان”، الذي يتقدم بناؤه بسرعة، كواحد من أكبر المبادرات التحتية في تاريخ المنطقة، ووصف بأنه “بناء القرن”. يعني بناء هذه السكة الحديدية، في جوهره، إحياء “طريق الحرير العظيم” في شكل جديد.

في أبريل 2025، بدأ بناء هذه السكة الحديدية رسميًا في مدينة جالال آباد القيرغيزية. بفضل التعاون الفعال بين المنظمات السكك الحديدية والعمال من الصين وقيرغيزستان وأوزبكستان، بدأت أعمال البناء في عدة مرافق قبل الموعد المحدد، مما يشير إلى أن المشروع قد دخل مرحلة بناء نشطة.

يشمل المشروع بناء 20 محطة، و42 جسرًا، و25 نفقًا على طول مسار “كاشغار – توروغارت – ماكمال – جالال آباد – أنديجان”. يبلغ إجمالي طول السكة الحديدية 532.53 كم، ومن المتوقع إكمالها بحلول نهاية عام 2030. يُخطط لحجم نقل البضائع السنوي ليصل إلى 15 مليون طن. كما سيتم بناء مراكز ترانزيت ولوجستية حديثة، ومستودعات، ومحطات على طول المسار.

وبالتالي، يمكن لمسار “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان” أن يرفع ليس فقط البنية التحتية للنقل، بل أيضًا تكامل الاقتصاد الإقليمي إلى مستوى جديد.

ستربط هذه الطريق وادي فرغانا مباشرة بالصين، وتُعتبر واحدة من أقصر المسارات الترانزيتية في قارة أوراسيا.

بعد تنفيذ المشروع، سيتم تقليل مسافة النقل على طول مسارات “الصين – أوروبا” و”الصين – جنوب آسيا” بنحو 900 كم و1000 كم على التوالي، وسيتم تقليل وقت النقل بحوالي أسبوع.

ومع ذلك، لا تقتصر الأولويات الاستراتيجية في المنطقة على هذا المشروع وحده. أحدها هو السكة الحديدية العابرة لأفغانستان (أوزبكستان – أفغانستان – باكستان).

سيسمح تنفيذ هذا المشروع بتشكيل ممر نقل مستدام يربط أوزبكستان وكل آسيا الوسطى بجنوب آسيا. بفضل ذلك، ستحصل دول المنطقة على وصول إلى الموانئ البحرية. بالإضافة إلى ذلك، سيتمكن جميع دول المنظمة التعاونية في شنغهاي من الاتصال بخط سكة حديدية واحد.

في 17 يوليو 2025، عقد أول اجتماع ثلاثي على مستوى وزراء الخارجية لأوزبكستان وأفغانستان وباكستان في كابول، حيث تم توقيع اتفاقية إطارية بشأن تطوير دراسة الجدوى للسكة الحديدية “أوزبكستان – أفغانستان – باكستان”.

تم اختيار مسار “ترمز – نايب آباد – مايدان شهر – لوغار – خارلاشي” كاتجاه المشروع الرئيسي. بعد ذلك، سيتم دمج الشحن المنقول على طول هذا المسار مع سكة حديدية باكستانية بيشاور-كراتشي وتوصيله إلى موانئ كراتشي وقاسم.

إطلاق كلا السكتين الحديديتين – “الصين – قيرغيزستان – أوزبكستان” و”أوزبكستان – أفغانستان – باكستان” – سيساهم في التكامل العميق لنظام النقل واللوجستيات في أوزبكستان في الشبكة العالمية. لن يسمح ذلك فقط بتوصيل المنتجات الداخلية إلى الأسواق العالمية بشكل أسرع وأرخص، بل سيقلل أيضًا بشكل كبير من تكاليف النقل في تكلفة المنتجات المستوردة.

إحياء طريق الحرير هو فرصة ليس فقط لإحياء التراث التاريخي، بل أيضًا لأخذ مكانه الشرعي في النظام الاقتصادي العالمي الجديد. تخلق المشاريع المشتركة الكبيرة في البنية التحتية للنقل أساسًا للاستقرار الاستراتيجي، والنمو الاقتصادي في الفضاء الأوراسي، وبداية عصر جديد من التعاون بناءً على الثقة المتبادلة بين الشعوب.

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

نحو سياسة اقتصادية متوازنة : لا لمنع الاستيراد الشامل

الحرير/ بقلم/ عامر جاسم العيداني تتبنّى الحكومة العراقية في السنوات الأخيرة سياسة حماية المنتج الوطني …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *