الحرير/
إلدور تولياكوف
المدير التنفيذي،
مركز استراتيجية التنمية، أوزبكستان
شهدت السياسة الخارجية لأوزبكستان تحولاً جذرياً منذ أواخر عام 2016، اتسم بالتحول من العزلة النسبية إلى الانفتاح والبراغماتية والمشاركة الفاعلة على الساحة العالمية. ومن المؤشرات الواضحة على هذا التحول تطبيق نظام الإعفاء من التأشيرة لمواطني ما يقرب من 100 دولة – العديد منها أوروبية – إلى جانب طفرة في الاستثمار الأجنبي المباشر، الذي وصل إلى ما يقرب من 12 مليار دولار أمريكي في عام 2024، مسجلاً زيادة بأكثر من أربعة أضعاف مقارنة بعام 2016. وقد عززت هذه التطورات بشكل كبير التواصل الدولي، وأكدت التزام أوزبكستان بالانفتاح والتعاون العالمي.
ساهم هذا التحول أيضًا في ديناميكية جيوسياسية جديدة في آسيا الوسطى. أصبحت العلاقات بين دول المنطقة أكثر بناءةً وتعاونًا، بل وأكثر إخاءً. تُولي أوزبكستان الآن أولويةً لعلاقاتها مع جمهوريات آسيا الوسطى المجاورة، إيمانًا راسخًا بأن الاستقرار والازدهار الإقليميين يبدآن بالتعاون الوثيق القائم على الثقة داخل المنطقة. وبينما تستعيد آسيا الوسطى دورها التاريخي كجسر بين الحضارات، تقف أوزبكستان في قلب هذا التحول – محايدةً جيوسياسيًا، مُصلحةً اقتصاديًا، وفاعلةً دبلوماسيًا.
في الوقت نفسه، تنتهج أوزبكستان سياسة خارجية متعددة الأبعاد، متوازنة، وذات سيادة، ومدفوعة بالمصالح الوطنية. في هذا السياق، تلعب روسيا والصين، بطبيعة الحال، أدوارًا مهمة نظرًا لقربهما الجغرافي، وروابطهما التاريخية، وحجمهما الاقتصادي. لطالما كانت روسيا شريكًا استراتيجيًا واقتصاديًا رئيسيًا لأوزبكستان. وفي السنوات الأخيرة، تجاوزت الصين روسيا كأكبر شريك تجاري لها، مما يعكس تنامي استثمارات بكين وانخراطها في المنطقة.
مع ذلك، من الضروري التأكيد على أن أوزبكستان لا تُفضّل شريكًا على آخر. هدفها هو بناء علاقات متبادلة المنفعة مع مجموعة متنوعة من الدول، مع الحفاظ على الحياد والمرونة في مواجهة التوترات الجيوسياسية العالمية. يضمن مبدأ التباعد والتنوع هذا قدرة أوزبكستان على العمل بفعالية مع جميع الأطراف الرئيسية، شرقًا وغربًا على حد سواء.
وعلى وجه الخصوص، تولي أوزبكستان أهمية كبيرة لتعزيز العلاقات مع أوروبا والعالم الغربي الأوسع، لأسباب استراتيجية محددة.
أولاً، في عملية تحديث الإدارة العامة وإصلاح القطاعات الرئيسية، تسعى أوزبكستان إلى الاستفادة من تجارب الديمقراطيات الغربية، لا بتقليد النماذج دون وعي، بل بتكييف أفضل الممارسات وتجنب الأخطاء التي تقع فيها الدول الأخرى. وفي هذا الصدد، يُركز القطاع التعليمي بشكل رئيسي. ويشجع المسؤولون المؤسسات العامة بنشاط على استقطاب كفاءات ذات تعليم غربي وخبرة دولية، لما تحمله هذه الكفاءات من منظور عالمي ونهج إصلاحي.
ثانيًا، تُركز أوزبكستان بنشاط على جذب الاستثمار الأجنبي المباشر، ليس فقط كمصدر لتدفقات رأس المال، بل أيضًا كقناة حيوية لنقل المعرفة والتكنولوجيا المتقدمة والخبرة الإدارية. ورغم توافر الموارد المالية المحلية في بعض الحالات، إلا أن البلاد غالبًا ما تواجه قيودًا تتعلق بالقدرات التقنية والمعرفة المؤسسية ومهارات تنفيذ المشاريع، لا سيما في مبادرات التنمية واسعة النطاق والمعقدة.
في هذا السياق، يمكن للمستثمرين والخبراء الغربيين الاضطلاع بدورٍ تحويلي. وتُعدّ خبرتهم في قطاعاتٍ مثل تطوير البنية التحتية، والخدمات المالية، والجيولوجيا، والطاقة المتجددة، والإدارة العامة، والرعاية الصحية قيّمةً للغاية. ومن خلال التعاون مع شركاء أجانب ذوي خبرةٍ راسخة في هذه المجالات، تهدف أوزبكستان إلى تسريع نتائج الإصلاحات، وبناء مرونة المؤسسات، وضمان تقديم خدمات عامة أكثر فعالية، مما يُسهم في نهاية المطاف في تحقيق أهدافها الأوسع في إطار استراتيجية أوزبكستان 2030 .
مع ذلك، تُدرك أوزبكستان أن التعاون مع أوروبا يُمثل تحديات خاصة. فعملية صنع القرار داخل الاتحاد الأوروبي قد تكون أبطأ وأكثر بيروقراطية مقارنةً بالنهج الأكثر مركزية في روسيا أو الصين. كما أن المسافة الجغرافية وتغير أولويات السياسات داخل الاتحاد الأوروبي يُشكلان أحيانًا عوائق إضافية. ومع ذلك، نلاحظ تحولًا إيجابيًا في العلاقات بين الاتحاد الأوروبي وأوزبكستان. إذ يُولي القادة الأوروبيون آسيا الوسطى أولوية متزايدة في أجندات سياستهم الخارجية. وتُظهر الزيارات رفيعة المستوى الأخيرة – بما في ذلك زيارات رئيسَي المجلس الأوروبي والمفوضية الأوروبية إلى طشقند – هذا الاهتمام المتجدد. وبالمثل، قام الرئيس ميرزيوييف بعدة زيارات إلى عواصم أوروبية، مُعززًا التزام أوزبكستان بتعزيز العلاقات مع الاتحاد الأوروبي.
تستفيد أوزبكستان بالفعل من التفضيلات التجارية لنظام الأفضليات المعممة (GSP+)، والتي تسمح لأكثر من 6500 سلعة محلية الصنع بدخول أسواق الاتحاد الأوروبي معفاة من الرسوم الجمركية. تمنح هذه الآلية المصدرين الأوزبك ميزة تنافسية واضحة، مما يساهم في تحقيق هدف البلاد الأوسع المتمثل في تنويع صادراتها. ومع ذلك، من الضروري الاعتراف بأن الإمكانات الكاملة لنظام الأفضليات المعممة (GSP+) لا تزال غير مستغلة بالكامل في الوقت الحالي. وهذا يُبرز فرصًا كبيرة غير مستغلة لتوسيع حجم التجارة وتعزيز تكامل السوق مع الاتحاد الأوروبي.
من المتوقع إحراز مزيد من التقدم مع التصديق على اتفاقية الشراكة والتعاون المعززة (EPCA) بين أوزبكستان والاتحاد الأوروبي، والمتوقع صدورها في وقت لاحق من هذا العام. ولن تقتصر هذه الاتفاقية على ترسيخ مرحلة جديدة في العلاقات الثنائية فحسب، بل ستوفر أيضًا حوافز إضافية للتعاون في طيف واسع من القطاعات الاستراتيجية، بما في ذلك التجارة والحوكمة والتعليم وسياسات المناخ والابتكار.
في الختام، تتميز السياسة الخارجية لأوزبكستان بالمبادئ والمرونة، وترتكز على نهج متعدد الأبعاد يسعى إلى تعظيم المصالح الوطنية دون التورط في التنافسات الجيوسياسية. وتسعى أوزبكستان جاهدةً إلى تحقيق التوازن في شراكاتها وتنويعها، مع تعزيز نظام دولي سلمي قائم على القواعد وموجه نحو التنمية. ويعكس هذا النهج الرؤية الاستراتيجية الأوسع للبلاد لبناء أوزبكستان حديثة وشاملة ومترابطة عالميًا.
وكالة الحرير الاخبارية وكالة عراقية اخبارية منوعة