الحرير/
بثلم/داود الفريح
كانت “مقهى الأدباء” في منطقة العشار بمحافظة البصرة، واحدة من المعالم الثقافية المهمة التي جمعت تحت سقفها نخبة من أدباء المدينة. واحتضنت العديد من الفعاليات الثقافية والفنية التي كان يحيها التجمع الثقافي العراقي الحديث بإدارة وجهاء الادب والثقافة .
في هذا المكان العريق، كانت تتلاقى الأفكار وتزدهر النقاشات الأدبية التي شكلت جزءاً لا يتجزأ من المشهد الثقافي للبصرة، ابو فرقد ، خالد خضير، ناصر ابو علي ، اكرم الامير ، كريم جخيور ، كاظم الحجاج، محمود عبد الوهاب، طالب عبد العزيز ، باسم الشريف، رزاق المالكي، علي نوير، حاتم العقيلي، حسين عبد اللطيف، عباس الجوراني، فاضل السراي، ناصر قوطي، جميل الشبيبي، مازن المظفر، هيثم جبار، عامر الربيعي ، خالد السلطان ، كريم السامر ، عامر العيداني، طارق البريسم ، سعيد المظفر …الخ والقائمين على المقهى، مقدام ، سلمان، مهيمن (سيد حامد) أسماء مازال ذكرها أخضر في ذاكرة روادها ومع مرور الزمن، بدأت هذه المقهى تفقد بريقها، نتيجة الإهمال وتقادم البنية التحتية، مما دفع الأدباء إلى البحث عن بدائل جديدة للحفاظ على تلك الروح الجماعية التي كانت توفرها المقهى.
حيث كانت بمثابة القلب النابض لحياة الأدباء، إذ لم تكن مجرد مكان للجلوس وتناول الشاي، بل كانت مركزًا لتلاقح الأفكار وتبادل وجهات النظر حول القضايا الأدبية والسياسية والاجتماعية. ومع تدهور حالتها ووفاة بعض روادها شعر الأدباء بالفراغ الذي تركته بفقدهم، حيث كان يُنظر للمقهى كملاذ آمن للتعبير عن الأفكار بحرية وبدون قيود. المقهى صار يرتادها عامة الناس، وصارت (كافيه) لتقديم الاراجيل
بعض الأدباء قرر البحث عن بدائل تعيد تلك التجربة المميزة. أحد هذه البدائل كان “مقهى بارق”، الذي اتخذه البعض كوجهة جديدة لمواصلة جلساتهم الأدبية، ورغم أنه لم يستطع ملء الفراغ بشكل كامل، إلا أنه حافظ على جزء من التواصل الحضوري بين الأدباء.
في المقابل، اتجه آخرون إلى مقاهٍ شعبية وسط العشار، مثل فور سيزن وسيد حامد ، حيث حاولوا استعادة ولو جزء بسيط من أجواء المقهى القديم. هذه المقاهي الجديدة افتقرت إلى الطابع الأدبي الخالص الذي ميز “مقهى الأدباء”، حيث كانت تفتقر إلى الخصوصية اللازمة للنقاشات الثقافية العميقة.
ومع تعقد الأمور وتزايد صعوبة إيجاد مكان جديد يجمع الأدباء بشكل دائم، اتجه عدد كبير منهم إلى التواصل عبر منصات التواصل الاجتماعي. رغم أن هذه المنصات وفرت وسيلة سريعة وسهلة للتفاعل، إلا أنها لم تستطع تعويض الجو الفعلي للقاءات الحية التي كانت تحدث في المقهى. فقد الأدباء من خلال هذا التواصل الافتراضي الكثير من العمق والروح الجماعية التي كانت تشكل جزءًا لا يتجزأ من تلك الجلسات الأدبية.
المشكلة الكبرى التي واجهها الأدباء بعد تفكك ملتقاهم الثقافي هي فقدان الروح الجماعية التي كانت تمنح تلك النقاشات نكهة خاصة. مثل سوالف ابو فرقد او حكايات خالد خضير التي تحمل في طياتها مزيجاً من التفاعل الفوري والنقاشات الودية والمشاحنات الأدبية، وهو ما لم يعد متاحًا عبر الشاشات الرقمية.
يبقى السؤال الأهم هو: هل سيتمكن الأدباء من إيجاد مكان جديد يجمعهم كما كانت “مقهى الأدباء” تفعل؟ من الواضح أن الحاجة إلى ملتقى خاص بالأدباء ما زالت قائمة وملحة. فالثقافة لا تزدهر في الفراغ، بل تحتاج إلى بيئة حاضنة تسهم في تعزيز التفاعل وتوليد الأفكار الجديدة.
ويبقى الامل معلق بإهتمامات الحكومة المحلية ورجال الاعمال بهذا الجانب المهم بإعادة الروح الى مقهى الادباء من جديد