السيد حسن نصر الله إرداة وتمثّل لنا …

الحرير/

بقلم : سلوان إحسان
“ولكن الثورة قائمة الآن، عزيزي. لقد انفجرت رغم تشكيكك وسخريتك. أبي، أمي، أنت، أنا، والآخرون جميعاً سندرك الخطر رويداً رويداً حتى لا يبقى لنا إلا الهروب والاحتباؤ، ولن ينسى ذلك.”
— مقطع مقتبس من رواية “الساعة الخامسة والعشرون” (ص61، طبعة 2015، منشورات مسكيلياني).
في زمن تكسر فيه إرادة العالم، وتعمّ فيه حالة من “نسيان الوجود” كما وصفها الفيلسوف هايدغر، حيث ذاب الإنسان في عالم الهواتف والتقنيات وتشتّت الانتباه، واندفعت إرادته خلف آلة السوق بنمطها الاستهلاكي الانعزالي، لا تزال هناك إرادة خفية تنبض بالعدالة وتناضل لنصرة الإنسان، إرادة تتجسد اليوم في نضال الشعب الفلسطيني الذي رفض ويواصل رفضه الاستسلام رغم دعوات إنهاء النزاع، خاصة دعوة ترامب المشهورة لـ”إحلال السلام” عبر قسر الوضع.رفض الغزاويين لهذه الدعوة، رغم كل الضغوط، يعكس تعبيراً قوياً عن إرادة بشريّة لا تقبل الانكسار، إرادة تتحدى محاولات إلغاء القضية وتحويلها إلى نزاع عابر لا يلامس جوهر الوجود والحقوق. في هذا الإطار، تحتفي الذكرى السنوية الأولى لاستشهاد السيد حسن نصر الله، الذي أصبح رمزاً قوياً لهذه الإرادة الإنسانية في مواجهة الظلم والاحتلال.
وبحسب فلسفة آرثر شوبنهاور في كتابه “العالم إرادة وتمثّل”، تُعد الإرادة قوة عمياء تحرك العالم، تدفع البشر نحو الرغبات والصراعات، لكنها في ذات الوقت تمتلك القدرة على التحول إلى فعل واعٍ ينبض بالكفاح والمعنى والكرامة. في سياق المواجهة مع الاحتلال، لا تمثل إرادة السيد نصر الله دفاعاً عن الأرض فحسب، بل تدافع عن الهوية والوجود ذاته. القضية الفلسطينية تتجاوز حدود الجغرافيا إلى قضية وجود إنساني أصيل، تستدعي النهوض المستمر للحفاظ على قيمتها ومعناها. فلسطين بذلك تختبر الإنسان في مواجهة العدم والظلم، فتُصبح نموذجاً عالمياً لإرادة لا تُقهر.هذا التصور يرتبط برؤية الشهيد هاشم الهاشمي الذي اعتبر فلسطين حدثاً كونياً يعيد تشكيل الوعي الأخلاقي والسياسي على مستوى العالم. المقاومة الفلسطينية ليست مأساة تاريخية فحسب، بل اختبار إنساني شامل يبرز قدرة الإنسان على تجاوز الغفلة ونسيان الوجود كحالة وجودية خطيرة.
أما في العراق، فاليوم نعيش لحظة مفصلية بين السطحيات السياسية والتقنية والحاجة الماسة إلى تجديد الوعي الوطني والعدالة الاجتماعية. هذه اللحظة تتجلّى في التباين بين دعوات المقاطعة التي تعبر عن رفض للفساد والاستسلام، لكنها تحمل مخاطر الانكفاء الذي يغذي نسيان الوجود، ودعوات المشاركة التي تؤكد على ضرورة الفعل الواعي والمسؤول، وتقدم الفعل السياسي كأداة حقيقية للتغيير.المشاركة الواعية هي دعوة إلى إحياء الإرادة الإنسانية وتحويلها من حالة ضعف إلى قوة فاعلة تحقق نهضة وطنية حقيقية، وانتصار معنى الإنسان فوق ضجيج السوق وحالة التشتت والتقنيات السطحية والانقسامات السياسية.
في الذكرى السنوية للسيد حسن نصر الله والهاشمي نستذكر إرادتهما الصلبة، نماذج للنضال الذي يشكّل الحياة في مواجهة الظلم، إرادة تمرد على الغفلة ونسيان الوجود، وإصرار على أن تبقى الحياة والكرامة غايتين لا تقبلان التنازل أو المساومة.الثورة قائمة، والمرحلة تفرض علينا أن نواجه تحديات الغفلة بإرادة صلبة تقدر الخطر وتؤمن بقدرة الإنسان على الانتصار على الظلام. الفلسطينيون والعراقيون، وبشهادة السيد حسن نصر الله والهاشمي، هم صوت الحياة والكرامة حاملون إرادة النهوض والتغيير العميق الحقيقي.

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

عنصرية يقودها الحكام

الحرير/ بقلم/سامي التميمي للأسف النزعة الفوقية والمتكبرة ، والعنصرية التي بدأ بها الحكام والأعلام الحكومي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *