عندما يختلف الأصدقاء : صراع سلطات أم تصفية حسابات؟

الحرير/

بقلم/ عامر جاسم العيداني

في عالم السياسة لا تدوم التحالفات طويلاً فهي سرعان ما تتغيّر مع تبدّل المصالح وهذا ما يتكرر كثيرًا بين أعضاء السلطة التشريعية وأركان السلطة التنفيذية فبدلاً من أن يبقى التعاون قائمًا لخدمة الصالح العام ينقلب أحيانًا إلى صراع علني مليء بالاتهامات وربما الخيانات.

النائب من المفترض أن يكون ممثلًا للشعب ورقيبًا على الحكومة بينما الوزير أو المسؤول التنفيذي مُكلّف بإدارة الدولة وتطبيق القوانين وبحسب الدستور ان العلاقة بين السلطتين يجب أن تقوم على التوازن والتكامل غير أن هذا التوازن هش وسرعان ما ينهار إذا ما اصطدمت المصالح أو تم تجاوز الحدود.

وحين يتحول النائب إلى “ظهير سياسي” لوزير بعينه أو يسعى الوزير لضمان ولاء نواب عبر النفوذ والامتيازات يختفي الخط الفاصل بين العمل المؤسسي والمصالح الشخصية وما إن يتعطل هذا التفاهم حتى تنفجر الخلافات لتتحول قاعات البرلمان إلى ساحات لتصفية الحسابات لا لمناقشة قضايا الوطن.

كثيرًا ما نسمع عن نائب كان مدافعًا شرسًا عن وزير أو محافظ ثم ينقلب ضده فجأة موجهًا إليه الاتهامات ومطالبًا بمساءلته أو إقالته ، ان هذا التحول الحاد يطرح سؤالًا مشروعًا: هل اكتشف النائب فجأة فسادًا كان غائبًا عنه؟ أم أن الخلاف سببه توقف “التفاهمات” غير المعلنة؟

هذا السلوك الخطير يُفقد المواطن ثقته بالمؤسستين معًا فحين يرى أن المواقف تتبدل وفق المصالح لا المبادئ يفقد إيمانه بالعملية السياسية برمّتها.

والأخطر هو النائب الذي ينظر إلى مقعده لا كمسؤولية تشريعية ورقابية بل كأداة للبقاء السياسي ، هذا النوع يُقايض دوره بخدمات أو مشاريع في دائرته أو يطلب دعماً مقابل السكوت عن أخطاء المسؤول التنفيذي. وحين تُلبّى مطالبه يتحول إلى مدافع دائم أما إذا رُفض طلبه فيتحول فجأة إلى معارض شرس ، إنه نموذج “النائب الذي يصنع أعداءه بنفسه”، لأنه لا يؤمن بدور المؤسسة بل بمصالحه الخاصة.

ومع توسع استخدام وسائل التواصل الاجتماعي تحولت حسابات بعض النواب إلى منصات للمهاترات لا للمساءلة فبدلاً من تقديم معلومات موثقة للرأي العام يلجأون إلى نشر بيانات متشنجة أو تسريبات مجتزأة هدفها التشويه أكثر من الإصلاح ، ان هذه الممارسات لا تخدم الشفافية بل تُكرّس الفوضى وتُضعف ثقة المواطن بالمؤسسات.

الخلاف بين السلطتين إن كان في إطار القانون والدستور فهو صحي ومطلوب لتصحيح المسار لكن حين يُستخدم كسلاح لتبادل الضربات الشخصية فإنه يصبح تلاعبًا سياسيًا على حساب المواطن والأسوأ أن تتحول قبة البرلمان إلى منبر للهجوم ووسائل التواصل إلى ساحات تحريض فينزلق المشهد من دولة مؤسسات إلى مسرح للتشويش واغتيال السمعة.

على النواب والوزراء أن يدركوا أن المناصب زائلة وأن ما يبقى في ذاكرة الناس هو الصدق والشفافية والنقد البنّاء لا يعني عداءً والاختلاف لا يجب أن يتحول إلى خصومة، لكن حين تختلط المصالح الشخصية بالمواقف العامة يصبح الطعن في الظهر مجرد مسألة وقت.

الوطن اليوم لا يحتمل المزيد من هذه الصراعات العبثية فإما أن تكون السلطة أداة لخدمة الشعب أو تتحول إلى عبء ثقيل عليه ، ولعل الدرس الأهم أن ذاكرة الشعوب لا تنسى وأن من يعبث بثقتها سيدفع ثمنًا باهظًا عاجلًا أم آجلًا.

عن عامر العيداني

شاهد أيضاً

عنصرية يقودها الحكام

الحرير/ بقلم/سامي التميمي للأسف النزعة الفوقية والمتكبرة ، والعنصرية التي بدأ بها الحكام والأعلام الحكومي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *