الحرير/
بقلم/حسين الذكر
مع ان المختارية اصبحت مهنة او مهمة لا تتسق مع زمن العولمة والتواصل والحوكمة وغير ذاك من تطورات العمل الاداري الا انها في العراق ما زالت حلقة زائدة في معاملات المواطنين تزيد طين بلته مع دوائر الدولة وزيادة مصاريفه فيها .. يذكر بهذا الصدد ان اغلب مختارية العراق قبل 2003 اجبرتهم الظروف الى ان يتحولوا من مهمتهم الاساسية بتعريف الاشخاص الى ذراع تنفيذي امني للسلطة وهذا ما جعلهم بعد التغيير اما يهربوا من مناطق سكناهم المتضررة السياسات الامينة المتبعة انذاك وبعضهم قد قتل رحمهم الله جميعا .
اتذكر مدينتنا الحرية الواقعة في منطقة الكرخ ويعود تاسيسها الى بداية خمسينيات القرن المنصرم كان هناك عدد من الشوارع التي تحمل مسميات ودلالات معينة من قبيل شارع المختار الذي يقال انه سمي على اسم المهندس المعماري العراقي احمد المختار فيما ذهب آخرين بالتسمية الى ان مختار المدينة كان يسكن فيه وما زال بعض كبار السن يتداولون هذا الاسم ..
كذا شارع الحمام الوحيد والاشهر فيها منذ السبعينات ويقول البعض تندرا كنا نغتسل فيه مرة واحدة بالسنة او في المناسبات حصرا لصعوبة بناء حمام بخاري في البيوت المتواضعة واغلب مواطنيها كسبة وكادحين وقد ظل حمام الزبيدي كما يسموه يعمل بطاقته للرجال والنساء طوال اربعة عقود موفقة حتى توقف بعد 2003 واغلقت ابوابه وما زال يطلقون عليه ذات التسمية علما ان الجيل الجديد يسميه شارع ( فاطمة ) لافتتاح سوق كبير لبيع الملابس جعله يطغى على التسمية القديمة .
كذا سمي شارع الدور على دور المواطنين التي وزعها الزعيم عبد الكريم قاسم على مراتب الجيش ( 300) م مع سلفة بقسط مريح لتشييد دار عليها ..
بهذه الصدد ينبغي الاشارة الى ميزانيات العراق الانفجارية ومضاعفة صادرات النفط والثروات الطبيعية بشكل مهول مع مشاريع الاسكان الاستثمارية التي استثمرت جميع المناطق السكنية في العاصمة دون ان تحل ازمة السكن بل انها تضخمت حتى اصبحنا نرى ضباط وموظفون ونخب ثقافية تقاعدوا وهم لايملكون دارا للسكن فيما الكثير منهم مستاجري شقق .. اتحدث هنا عمن قضى عمره في خدمة البلد لعقود دون الحصول على امتيازات كبرى ويعيش على راتبه المقرر.. حتى اصبحت ظاهرة السكن تشبه أزمة الكهرباء المستمرة منذ خمسة عقود .
كذا هناك شارع كباب ابو علي المطعم الشهير بتقديم وجبات لذيذة باسعار مناسبة .. وكان يعد من المطاعم النادرة فيما اصبحت مدينتنا تزدحم بالمطاعم حيث تجد بين كل مطعم ومطعم .. مطعم جديد .. حتى ارتفع عدد المطاعم لارقام مخيفة اجتماعيا وصحيا . والادهى ان اغلب المطاعم باسماء غريبة عن المجتمع وتقدم اكلات مشبعة بالدهون وتسبب امراض خطيرة وباسعار غالية تشكل عبء على كاهل رب الاسرة .
تغير الواقع السياسي وانعكس على الواقع الاجتماعي حتى غدت الاسماء الغربية والهجينة مسيطرة اختفت معها التقليدية الضاربة باعماق الوجدان والتراث لم يعد لها حظوة تذكر .. حتى غدا ذكرها يخجل المتحدث .. في ظاهرة لا تمت للحضارة والثقافة والوعي بصلة وتشكل جوهر فلسفة التبذير والاستهلاك القائمة والمعززة حد الترسيخ على قدم وساق في عراقنا الجديد ومجتمعنا الاسير لاجندات الحداثة المدججة بجيوش الذباب الالكتروني وغيره من برامج التواصل ومجاميع التقليد الاعمى ومحاربة كل اصيل .