recent
أخبار ساخنة

المرأة في المجتمعات الشرقية

الحرير/
بقلم/نهال القويسني - مصر
كوني أحب البحث عن أصل المرض قبل دراسة العرض، فقد بحثت كثيراً عن أصول تلك النظرة الدونية للمرأة لأفهم أسبابها، لكني لم أهتد لسبب منطقي . فإن كان من الممكن أن أتفهم أن معيار التفوق لدى الإنسان البدائي وفي عصور ما قبل الحضارة هو القوة البدنية، فكيف يمكن أن أطبق ذلك على الأمم المتحضرة، التي ارتقى فيها الفكر وبلغ الإنسان درجات من الفهم للحياة إنعكست على كل المجالات، إلا النظرة للمرأة .
وتجنبا لأخذ موقف دفاعي في قضية أزلية معقدة لم يتمكن أحد من فك شفرتها إلى الآن، أُفَضٍل النظر في أسباب العلة أكثر من أعراضها.
قد يكون السبب الأساسي هو عدم قدرة الإنسان على قبول فكرة الإختلاف، وأظنها قدرة تأتي مع التقدم الفكري والحضاري ونمو القدرات الذهنية لدى الإنسان بصورة عامة . 
وانا هنا أتحدث عن الإختلاف عموما بكافة صوره، فقد مضت عصور طويلة قبل أن ينتبه الإنسان أن اختلاف الآخرين عنه ليس مذمة. لقد مرت البشرية بأطوار متعددة قبل أن تستوعب حكمة الإختلاف في الخلق، وبالتالي قيمة التنوع والتعددية كميزان ومحفز يضمن تفاعل عناصر الحياة، ومن ثمة تطورها وتقدمها .
وكنت أظن أن العقائد السماوية حجر زاوية في الإرتقاء بسلوك الإنسان وتعديل مفاهيمه عن الحياة والآخرين بصورة كبيرة وأساسية . وقد آلمني كثيراً إختلاط بعض المفاهيم الإجتماعية البالية بالفهم العقائدي المغلوط في هذا الشأن، مما زاد الأمور تعقيدا. فمن أين جاءت ارتباط فكرة غواية المرأة بالخطيئة الأولى، في حين أن القرآن الكريم ذكر صراحة أن آدم وزوجه قد تعرضا للغواية من الشيطان، وكان خطأهما مشتركا، وكذلك عقابهما .
يأخذنا ذلك إلى نظرة العقل الجمعي للعلاقات الجنسية خارج الإطار الشرعي لها، حيث تتحمل المرأة وحدها كل اللوم وكل المسؤولية، دون الرجل، وتظل باقي حياتها موصومة تدفع ثمن هذه الزلة بنظرة إزدراء المجتمع لها. في نفس الوقت الذي يكمل فيه الرجل حياته _وهو الطرف الآخر المشارك فيما حدث_ دون أن يحاسبه أحد أو يتهمه بأي تهمة أخلاقية أو دينية .
ويأخذنا ذلك إلى التساؤل عن الفكر والقيم التي تنشأ عليها المراة، سواء بواسطة ابويها _ولاحظ ان الأم مشاركة في ذلك إلى حد كبير_ أو من خلال مؤسسات المجتمع المختلفة التي تشكل شخصية الأنثى في مراحل نموها المختلفة، وبالتالي تسهم في تكوين وجدانها وترسيخ مفاهيهمها عن نفسها ودورها وقدراتها، وعن الحياة والعلاقات مع الآخرين .
لماذا لا ينظر المجتمع للرجل والمرأة نظرة واحدة ؟ ولماذا لم يتحول العقل الجمعي إلى مرحلة أكثر وعيا ومنطقية في هذا الشأن، رغم كل التطور الفكري والقيمي الذي وصلت إليه البشرية ؟
إختلاف الرجل والمرأة من الناحية البيولوجية والفسيولوجية، وبالتالي التركيبة النفسية والقدرات العقلية والجسمانية هو حكمة الخلق، والهدف منه هو التكامل بين قطبي الحياة، وليس تسيد طرف على الآخر. هكذا خُلِق البشر، كل له ما يميزه، وليس هناك تطابق بين الأفراد، ولن يكون، وهذا هو مبعث العبقرية في حكمة الخلق .
لماذا إذن يحاول أحد طرفي العلاقة التسلط على  الآخر وسلبه أدنى حقوقه الإنسانية وإرادته الحرة في اختيار ما يناسب طبيعته ويتوافق مع قدراته وطاقاته ورؤيته .
وكيف يُسمَح لأحد طرفي الحياة بكل الحقوق ويحرم منها الطرف الآخر؟
وما بال هذه العصور المتعاقبة الطويلة التي كان يحال فيها بين المرأة وحقها في التعليم والعمل. لماذا ظلت كل هذه العصور تعامل كتابع، كمتاع، وقد رسخ في وجدان العقل الجمعي عامة والذكوري بالذات، أنها قد خلقت لمتعة وخدمة الرجل، وهذا هو سبب وجودها ولا شيء غير ذلك. 
لو لم يجد الرجل راحته لأي سبب من الأسباب، مع زوجة اختارها بمحض إرادته، فله الحق أن يتزوج بغيرها . 
أما إذا كانت هي متضررة في علاقتها الزوجية بأي صورة من الصور، عليها أن تصبر وتحتسب. هل ذلك مبعثه أنها أقوى منه، ويمكنها أن تتحمل من الألم النفسي والجسدي ما لا قبل له هو بتحمله ؟ لديه هو احتياجات نفسية وفسيولوجية ليست لها.. وبالتالي أصبح له حقوق خاصة .. وعليها أن تقبل وتنصاع مهما تألمت أو عانت.
ما هو مفهوم القوة؟ قوة الفكر، القوة البدنية، قوة الشخصية، قوة الشكيمة.. أليست هذه كلها فروق فردية بين الأشخاص؟ ولا علاقة لها أصلا بجنس دون آخر .
لماذا استمرت معاملة المرأة في المجتمعات الحديثة، خاصة في المنطقة التي ننتمي إليها، بنفس النظرة القديمة رغم تغير جميع العوامل ومظاهر الحياة من حولنا .
لماذا حيل بينها وبين الخبرة والمعرفة لقرون طويلة، اللهم إلا بعض الإستثناءات الفردية التي يذكرها التاريخ بالإسم .  وماذا تنتظر من مخلوق حَكَمت عليه بمحدودية الأفق نتيجة حجب المعلومات والخبرات عنه، وحصره في إطار محدد وتلقينه مهارات بعينها كلها بغرض خدمة الطرف الآخر .
ولماذا نستمر في المطالبة بنفس الممارسات حتى بعد أن أثبتت الأنثى كفاءتها وقدرتها على كسب المعارف والخبرات، بل والتفوق فيها بصورة واضحة. 
وما هي الحقوق التي مُنِحَت للمرأة ومنعها المجتمع عن الرجل ؟ ولماذا كان المنع دائما في اتجاه واحد ؟
لماذا تنصاع حكوماتنا ومجتمعاتنا للتيارات العالمية التي تنادي بالمساواة بين الجنسين، ومنح المرأة فرص أفضل في الحياة عن طريق التمكين الإقتصادي، والفهم الأفضل لذاتها وإمكانياتها، كل ذلك تحت بند التنمية وحقوق الإنسانية من منظور غربي- يقال إنه عالمي- ونعجز نحن عن تطوير أفكارنا في هذا المجال في ضوء قيمنا وعقائدنا.  
الم يعد واضحا بعد أن قدرات طرفي العلاقة الإنسانية(رجل وامرأة) قد خلقت بصورة مختلفة- وبدون افضلية- تتناسب مع الدور الذي يلعبه كل منهما في الحياة. وما الداعي إذن لوجود نوعين من الجنس البشري، إذا كان أحدهما متميزا بصورة مطلقة عن الآخر، ويستطيع الإكتفاء بذاته.
لا يمكن لطرف من الأطراف أن يواجه الحياة وحده، مهما بلغت قوته وقدراته، لأن لديه احتياجات لن يحصل عليها إلا من خلال علاقته بالطرف الآخر،المُكَمِل له، وتلك هي حكمة الخلق.
من الطبيعي ألا يتقبل الطرف المستفيد من هذا الفكر أي محاولة لإعادة تقييم المسألة، لكنه ليس من الطبيعي أن يقف الوعي الجمعي بجمود وبلادة أمام مشكلة عميقة وحيوية بهذا الشكل، تكاد تعقيداتها وممارستها الخاطئة ان تعصف بكيان المجتمع وتهدد وجوده ذاته.
ما الذي يمنع مراجعة المفاهيم، في ضوء تطور العقل البشري، وتقدم منظومة القيم التي تشكل مرجعية الوجدان الجمعي للمجتمع، خاصة بعد أن أثبتت المرأة ان لديها قدرات وطاقات كبيرة يمكن للمجتمع أن يحقق بها إنجازات كبرى .   
وأظن انها مهمة علماء الإجتماع، وهي مهمة ملحة وقضية حياة أو موت لإستمرار الجنس البشري .
google-playkhamsatmostaqltradent