الحرير/
بقلم/المحامي علاء صابر الموسوي.
الشكر : تصور النعمة ، وإظهارها ، فالشكر على هذا هو الامتلاء من ذكر المنعم عليه ، والشكر ثلاثة أضرب : شكر بالقلب ، وهو تصور النعمة ، وشكر اللسان ، وهو الثناء على المنعم ، وشكر سائر الجوارح ، وهو مكافأة النعمة بقدر استحقاقه .
فالشكر هو الاعتراف بالجميل ، والثناء على المنعم لحسن صنيعه وجميل معروفه ، وهو مقابل المعروف بمثله ، قال تعالى:
( فاذكُروني أذكُركُم واشكُروا لي ولا تكفُرون ) البقرة / ١٥٢ ...( ومٓن يُرد ثٓوابٓ الآخٍرة نُؤتٍهٍ منها وسٓنٓجزي الشٓاكرين ) آل عمران/١٤٥ ...
قال رسول الله (ص) :
(افضل الذكر لا إله إلا الله ، وأفضل الدعاء الحمدلله ) ،
( أفضل ماقلته انا والنبيون من قبلي : لا اله الا الله ، وحده لا شريك له ، له الملك ، وله الحمد ، وهو على كل شيء قدير) ، وجاء عن الامام الصادق (ع) :
( شكر النعم اجتناب المحارم ، وتمام الشكر قول الرجل الحمدلله رب العالمين) ، وجاء في الدعاء المأثور : ( إلهي أذهلني عن إقامة شكرك تتابع طولك ، واعجزني عن احصاء ثنائك فيض فضلك ، وشغلني عن ذكر محامدك ترادف عوائدك ، وأعياني عن نشر عوارفك توالي أياديك ) ، وهكذا من الأدعية الكثيرة .
فالشكر إذن تعبير عن إحساس نفسي ، وقناعة فكرية ، يقصد بها مقابلة الاحسان والجميل المُسدى إلى الشاكر من قبل المحسن وصانع الجميل ، بما يماثله من إحسان ومعروف ،فهو اعتراف من الشاكر بأنه مدين للمنعم والمحسن ، وأنه لابد وأن يعبر عن هذا الإحساس بالاحسان والجميل ، فيعلن عن الامتنان بما يرضي صانع الجميل والمتفضل بالعطاء وينشأ هذا الشعور في نفس الشاكر كاحساس أخلاقي ووجداني يلح عليه ويدعوه إلى مقابلة الاحسان بالثناء والاعتراف ، لأن النفس البشرية تخضع في سلوكها إلى موازنة كونية منطقية تقضي : بأنه ما من شيء يحدث في طرف هذا الوجود إلا ويعادله شيء ، أو يترتب عليه شيء آخر في الطرف المقابل ، وينسحب هذا المنطق والقانون على الإحساس الأخلاقي لدى الإنسان ، ويتعمق هذا الإحساس بالنظر الواعي إلى فيض النعم الربانية التي تغمر النفس بإحساس الشكر والثناء ، فيؤثر في علاقة الإنسان مع الله سبحانه ، مفيض الاحسان والنعم ، ومصدر الخير والمعروف ، فيلجأ الإنسان الأخلاقي ، السليم الاحساس إلى ملء الطرف الثاني ، والذي يمثله الموقف الإنساني من معادلة الانعام والإحسان والجميل بما هو مناسب من التعبير والأداء ، فيلجأ إلى الثناء ، وإفراغ احاسيس الشكر بالعبارات والالفاظ والمواقف والأعمال ، كوسيلة لأداء حق المنعم وصانع الجميل ، وبذا كان الشكر أسلوبا من أساليب الاعتراف بالربوبية ، ونمطا من أنماط العبادة والتعبير عن العبودية ، لذا شرع الإسلام هذه العبادة واعتبر الإقرار بالفضل والتعبير بالالفاظ عن الاحسان والمعروف والجميل قضاء وأداء لحق الله المنعم ، والرب المتفضل .
ولذا أيضا جاءت الآيات والأحاديث تشرع ذلك وتحث عليه وتؤكده : ( الحمدلله رب العالمين) ،( فاذكروني اذكركم واشكروا لي ولا تكفُرون) .
شكر كل نعمة وإن عظمت أن يحمد الله عز وجل .. حق الله في العسر : الرضى والصبر ، وحقه في اليسر : الحمد والشكر .
فالشكر مظهر من أجلٓ مظاهر الذكر وعدم النسيان ، لأن الشاكر لايكون شاكرا إلا حين تتشخص أمامه اسباب الشكر ودواعي الامتنان ، فهو ذاكر يلهج بنعم الله ، ويسبح بحمد المنعم ومعروفه : ( وأما بنعمة ربك فحدث) .
وليس القلب أو اللسان وحدهما بقادرا على الشكر ، بل وللشكر مرتبة أخرى هي أرقى من مرتبة الاحساس والتعبير بالكلمة والذكر باللسان ، وهي مرتبة الفعل وتجسيد الشكر عملا وواقعا ، يشهد بصدق الذكر وعدم نسيان المعروف ، عن طريق استعمال النعم التي انعم الله بها على الإنسان في الطاعة وفعل الخير والمعروف ، واسداء الجميل للاخرين ، وتجنب المعاصي والشرور ، قال تعالى :( اعملوا آل داود شكرا وقليل من عبادي الشكور) سبأ/ ١٣ ...
فالشاكر الذاكر لايستعمل نعم الله التي انعم بها عليه ، من مال وعلم وقوة وجاه وخيرات ....الخ ، إلا بما يوافق إرادة الرب المنعم ، وصانع الجميل المتفضل ، بشكل يظهر معروفه وإحسانه ، ليكون الإنسان بذلك قد أدى شكر النعم ، وملأ جانب الطرف الإنساني بالعرفان والامتنان ، كما أرشدته قواعد التشريع ، وقيم الأخلاق ، قال ابو عبدالله (ع) : ( شكر كل نعمة اجتناب المحارم) .
وبذا يمكن للإنسان أن يكون شاكرا ، ذاكرا لأنعم الله ، مستخدما إياها في طاعة الله ومرضاته ، والا فما ذكرا الله من نسي نعمه وتنكر لمعروفه عنده ، فاستعمل العلم للتخريب والدمار والقوة للعدوان والبغي ، والمال للفساد والعبث ..الخ ، قال تعالى: ( فاذكروا آلاء الله ولا تعثوا في الارض مُفسدين ) الاعراف / ٧٤ ...
لذا كان الذاكر حقا هو الشاكر لنعمه ، المعترف بإحسانه وجميله ، المعبر عن هذا الاحسان والجميل بكل وسائل التعبير البشرية الممكنة ، من احساس وقول وعمل ، مع إيمان الشاكر بأن الإنسان لا يستطيع أن يؤدي حق الشكر ، لانه يقف دوما في موقع الإفتقار وتلقي الفيض والعطاء : ( يد الله فوق أيديهم) ، فهو حتى عندما يشكر الله سبحانه ، ويريد مقابلة نعمه يجد نفسه مطوقا بفضل جديد ، وهو ثواب الشكر ، وجزاء الذكر : ( وسيجزي الله الشاكرين ) .
وهكذا يبدا احساس جديد في نفس الشاكر الذاكر ، فكلما أصاب نعمه ، وادى شكرها ، أعطي نعمة الثواب والرضى ، وبذا تبقى موازنة الأداء قاصرة في جانبها الإنساني ، ويبقى الرب المنعم هو المتفضل المشكور ، كما قال الامام (ع) : ( فكيف لي بتحصيل الشكر ، وشكري إياك يفتقر إلى شكر ، فكلما قلت لك الحمد وجب علي لذلك أن أقول لك الحمد) ..
( سبحان من جعل الاعتراف بالعجز عن الشكر شكرا ) ،
وهكذا يكون :
الشكر : إحساس نفسي بالفضل والإحسان .
الشكر : تعبير باللسان عن احاسيس النفس بكل عبارات الاعتراف والثناء والحمد .
الشكر : استعمال النعم في الطاعة وفعل الخيرات ، وعدم تسخيرها للتمرد والعصيان والعبث .
والشكر : أن يشعر الإنسان بأنه مطوق بالفضل والنعم ، وأنه عاجز عن أداء حقها .
وبذا يكون الشكر : ذكر صادق لله ، وإحساس بالحضور الدائم لفضله وإحسانه.